ولا ناصر ينصرها ولا شفيع لها عند الله كما قال «ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ» وقال: «قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً» وقال: «وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» .
ثم أرشد إلى أنه لا ينفع فى الآخرة إلا صالح العمل لا الشفعاء والوسطاء فقال:
(وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) أي وإن تفد النفس المبسلة كل نوع من أنواع الفداء لا يؤخذ منها ولا يقبل، والمراد أنه لا يقع الأخذ ولا يحصل.
وهذا كقوله فى سورة البقرة «وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» .
والخلاصة- إن النفس المبسلة تمنع فى ذلك اليوم من أي وسيلة من وسائل النجاة، فلا ولىّ ولا حميم، ولا شفيع، ولا فداء، إلى نحو أولئك مما ربما نفع فى مقاصد الدنيا وأنجز بعض المنافع.
وفى هذا إبطال لأصل من أصول الوثنية وهو رجاء النجاة فى الآخرة كما هو الحال فى الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى أو بشفاعة الشافعين ووساطة الوسطاء عنده تعالى، وتقرير لأصل دينى وهو أن لا نجاة فى الآخرة ولا رضوان من الله ولا قرب منه إلا بالعمل بما شرعه على ألسنة رسله من إيمان به وعمل صالح يزكى النفس ويطهرها، أما من دسّى نفسه وأبسله كسبه للسيئات والخطايا واتخذ دين الله هزوا ولعبا وغرته الحياة الدنيا فلا تنفعه شفاعة ولا تقبل منه فدية.
ثم بين أن هذا الإبسال كان بسوء صنيعهم فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) أي أولئك المتخذون دينهم هزوا ولعبا المغترون بالحياة الدنيا، هم الذين حرموا الثواب، وأسلموا للعذاب، وحبسوا عن دار السعادة، بسبب ما كسبوا من الأوزار والآثام حتى أحاطت بهم خطاياهم، ولم يكن لهم من دينهم الذي اتخذوه زاجر ولا مانع يرشدهم إلى التحول عن تلك الأعمال القبيحة، ويصدّهم عن العقائد الزائفة.