(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي وهو الذي خلقهما خلقا متلبسا بالحق، وهو أنه وفق سننه المطردة المشتملة على الحكم البالغة الدالة على وجوده ووحدانيته وقدرته البالغة، ولم يخلقهما باطلا ولا عبثا فهو لا يترك الناس سدى، بل يجزى كل نفس بما كسبت.
ونحو الآية قوله فى سورة آل عمران:«رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا» وقوله:
(وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ. قَوْلُهُ الْحَقُّ) أي وقوله هو الحق الذي لا شك فيه يوم يقول للشىء كن فيكون وهو وقت إيجاد العالم وتكوينه، فلا مردّ لأمره ولا تخلف لقضائه وحكمه، ومن كان أمره التكويني مطاعا يكن أمره التكليفي كذلك واجب الطاعة بلا حرج فى النفس ولا ضيق منه، فالخلق حق والأمر حق «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ»(وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي وله الملك يوم الحشر يوم يبعث من فى القبور وينفخ فى الصور، والأمر حينئذ له وحده، ولا تملك نفس لنفس شيئا من خير أو شر، أو نفع أو ضر، فكيف يرضى لنفسه من يعرف هذه الحقائق- أن يدعو سواه، ويتخذ له إلها غير الله، ويرد على عقبيه، ويرجع إلى أسوإ حاليه.
روى عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصور فقال:
«هو قرن ينفخ فيه»
وروى عن ابن مسعود أنه قال:«الصور كهيئة القرن ينفخ فيه»(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) قال الحسن: الشهادة ما قد رأيتم خلقه، والغيب ما غاب عنكم مما لم تروه، وقال ابن عباس: الغيب والشهادة السر والعلانية.
والمعنى- إن الذي خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق، والذي قوله الحق تكوينا وتكليفا، والذي له الملك وحده يوم يحشر الخلائق- هو عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها، وهو الخبير بدقائقها وخفاياها، ولا يشذ عن علمه شىء منها، فلا ينبغى لعاقل أن يدعو غيره معه كما قال:«فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» وقال «بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ» .