حجرا- لقنه الجواب الذي كان يجب أن يجيبوا به لو أنصفوا وذلك قوله:
(قُلِ اللَّهُ، ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) أي قل لهم أيها الرسول: الله أنزله على موسى، ثم دعهم بعد هذا البيان المؤيد بالحجة والبرهان، فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم بآيات الله حال كونهم يلعبون كما يلعب الصبيان.
وفى أمر الرسول بالجواب عما سئلوا عنه إيماء إلى أنهم لا ينكرونه، لما فى ذلك من المكابرة وما فى الاعتراف من الخزي إذا هم أقروا بما يجحدون من الحق.
وبعد أن ذكر أنه أنزل الكتاب على موسى بين أنه أنزل القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال:
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي وهذا القرآن كتاب عظيم القدر أنزلناه على خاتم رسلنا كما أنزلنا من قبله التوراة على موسى، وقد باركنا فيه، فجعلناه كثير الخير، دائم البركة والمنفعة، يبشر بالثواب والمغفرة، ويزجر عن القبيح والمعصية، مصدقا لما تقدمه من كتب الأنبياء فى الجملة، لا بكل ما يعزى إليها على وجه التفصيل. وقد ذكر فيه بعضها بأسمائها، والصحف مضافة إلى أصحابها، ونعى على بعض أهلها تحريفهم لها ونسيانهم حظا منها.
(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي ولتنذر به عذاب الله وبأسه أهل مكة ومن حولهم من بلاد العالم جميعا كما روى عن ابن عباس.
وجعلت حولها لأن الناس فى جميع بقاع الأرض القريبة من مكة والبعيدة منها يصلّون وهم متوجهون إلى البيت الحرام فيها.
وقد ثبت عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فى آيات كثيرة كقوله تعالى فى هذه السورة:«وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» أي وكل من بلغه ووصلت إليه هدايته، وقوله فى سورة الفرقان:«تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً» وقوله فى سورة سبأ: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً» .