(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي وما أنا عليكم برقيب أحصى عليكم أعمالكم وأفعالكم وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والله هو الحفيظ عليكم، ولا يخفى عليه شىء من أعمالكم، فهو يعلم ما تسرّون وما تعلنون، ويجزيكم عليه بما تستحقون، فعليه وحده الحساب، وما علىّ إلا البلاغ.
(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي ومثل ذلك التصريف البديع نصرّف الآيات فى سائر القرآن لإثبات أصول الإيمان وتهذيب النفوس والأخلاق، فنحوّلها من حال إلى حال، مراعين فى ذلك تفاوت العقول والأفهام واختلاف استعداد الأفراد والجماعات.
(وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) أي إن لتصريف الآيات فوائد شتى منها: (١) أن يهتدى بها المستعدون للإيمان على اختلاف العقول والأفهام: (٢) أن يقول الجاحدون المعاندون من المشركين قد درست من قبل وتعلّمت، وليس هذا بوحي منزل كما زعمت، وقد قالوا هذا إفكا وزورا فزعموا أنه تعلم من غلام رومى كان يصنع السيوف بمكة وكان يختلف إليه كثيرا، وذلك ما عناه سبحانه بقوله:«وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» .
(وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٣) وأن نبين هذا القرآن المشتمل على تصريف الآيات الذي يقول فيه الجاحدون إنه أثر درس واجتهاد لقوم لديهم الاستعداد للعلم بما تدل عليه الآيات من الحقائق، وما يترتب على الاهتداء بها من السعادة دون أن يكون لديهم معارض من تقليد أو عناد.
والخلاصة- إن الذين يقولون للرسول: إنك درست هم الجاهلون الذين لم يفهموا تلك الآيات التي صرفها الله على ضروب مختلفة، ولم يفقهوا سرها، وما يجب من إيثارها على منافع الدنيا.
وأما الذين يعملون مدلولاتها، وحسن عاقبة الاهتداء بها، فهم الذين يتبين لهم بتأملها حقيقة القرآن وما اشتمل عليه من حسن التصرف المؤيد بالحجة والبرهان.