وقال ابن كثير: أي حتى تأتينا الملائكة من الله بالرسالة كما تأتى إلى الرسل.
وهذا بمعنى قوله:«وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا» الآية.
وخلاصة ذلك- إنهم لا يؤمنون بالرسالة إلا إذا صاروا رسلا يوحى إليهم.
وقد رد الله عليهم جهالتهم وبين لهم خطأهم بقوله:
(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) أي هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه وهذا كقوله: حكاية عنهم «وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ» الآية. يريدون لولا نزل هذا القرآن على رجل عظيم مبجّل فى أعينهم من القريتين مكة والطائف، ذلك أنهم- جازاهم الله بما يستحقون- كانوا يزدرون الرسول صلّى الله عليه وسلم بغيا وحسدا وعنادا واستكبارا كما قال تعالى:«وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ؟ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ»
وهم مع ذلك كانوا يعترفون شرفه ونسبه، وطهارة بيته ومرباه ومنشئه وكانوا يسمونه بالأمين، فكان ينبغى أن يكون فى ذلك مقنع لهم بأنه أولى من أولئك الأكابر الحاسدين له بالرسالة، وبكل ما فيه الكرامة، ولكنه الحسد والبغي والتقليد. كل أولئك كان الباعث لهم على تلك الأقوال وعمل هاتيك الأفعال فى عداوته ومعاندته.
والخلاصة- إن الرسالة فضل من الله يمنحه من يشاء من خلقه، لا يناله أحد بكسب، ولا يتصل إليه بسبب ولا نسب، ولا يعطيه إلا من كان أهلا له لسلامة الفطرة، وطهارة القلب، وحب الخير والحق.
ثم أوعدهم وبين سوء عاقبتهم لحرمانهم من الاستعداد للإيمان فقال:
(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) أي سيصيب المجرمين الماكرين الذين قد قضت سنة الله أن يكونوا زعماء فى كل شعب دبّ فيه الفساد- عذاب شديد مكان ما تمنوه وعلّقوا به آمالهم من عز النبوة وشرف الرسالة