قال صاحب الكشاف: اعملوا على مكانتكم- تحتمل وجهين- اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها، يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حال: على مكانك يا فلان أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه، إنى عامل على مكانتى التي أنا عليها.
والمعنى- اثبتوا على كفركم وعداوتكم فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم، فسوف تعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة.
ثم قال: وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك فيه إنصاف فى المقال وأدب حسن مع تضمن شدة الوعد والوثوق بأن المنذر محق والمنذر مبطل اهـ.
يقصد بذلك رحمه الله- أن فى هذا الإنذار إحالة على المستقبل ليتم وعده لرسوله بالنصر والتأييد وليظهر صدق وعيده لأعدائه بقهرهم فى الدنيا بحيث يرونه بأعينهم، وإذا صدق فى الدنيا صدق فى الآخرة، وأن كلا منهما كان بإنباء الغيب، وأن السبب الذي لأجله كانت عاقبة الرسول ومن اتبعه الحسنى فى الدنيا والآخرة واحد، وكذلك عاقبة من ناوأه وكفر به، وقد أشار إليه بقوله:
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي إن الظالمين لأنفسهم بالكفر بنعم الله واتخاذ الشركاء له فى ألوهيته والتوجه إليهم فيما يتقرب به إليه تعالى أو فيم لا يطلب إلا منه وهو ما خفيت على المرء أسبابه، إذ مثل هذا لا يدعى فيه إلا الله وحده، وما عرف سببه يجب أن يطلب من طريق السبب، مع العلم بأن خالق الأسباب جميعها هو الله تعالى، وحال الظالمين للناس أشد من حال الظالمين لأنفسهم، وكلهم لا يفوزون بفلاح لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، وإنما يفوز به أهل الحق والعدل الذين يؤدون حقوق الله وحقوق أنفسهم، ولا يكمل مثل هذا إلا لرسل الله وجندهم من المؤمنين.
انظر كيف نصر الله رسوله على الظالمين من قومه كأكابر مجرمى مكة المستهزئين به ثم من سائر مشركى العرب، ثم نصر أصحابه على أعظم أمم الأرض وأقواها جندا كالرومان والفرس، ثم نصر من بعدهم على من ناوأهم من أهل الشرق والغرب، فلما ظلموا