وإيضاح هذا أن قد حكم سبحانه على من فعل هذين الجرمين بالخسران، والسفاهة، وعدم العلم، والافتراء على الله والضلال وعدم الاهتداء.
أما الخسران فلأن الولد نعمة من الله على العبد، فإذا سعى العبد فى زوالها فقد خسر خسرانا عظيما، إذ هو قد استحق الذم فى الدنيا وقال الناس فيه إنه قتل ولده خوف أن يأكل طعامه، والعقاب فى الآخرة، لأنه ألحق أعظم أنواع الأذى بأقرب الناس محبة إليه.
وأما السفاهة، وهى اضطراب النفس وحماقتها، فلأنه أقدم على ضرر محقق وهو القتل خوفا من ضرر موهوم وهو الفقر.
وأما عدم العلم بما ينفع وما يضر وما يحسن وما يقبح فذلك من أقبح القبائح والمنكرات.
وأما الافتراء على الله فلأنهم جعلوه دينا يتقرّب به إليه وهو جراة عليه، وذلك من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر.
وأما الضلال المبين فلأنهم لم يرشدوا إلى مصالح الدين ولا منافع الدنيا.
وأما عدم الاهتداء إلى شىء من الحق والصواب، فلأنهم لم يعملوا بمقتضى العقل ولا بهدى الشرع فى منافع الدنيا وسعادة الآخرة.
وفائدة قوله: وما كانوا مهتدين- بيان أنهم لم يحصل لهم اهتداء قط، والإنسان أحيانا قد يضلّ ثم يهتدى، ولكن هؤلاء لم يحصل لهم اهتداء بحال.
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً- إلى قوله وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال فى الآية: هذا صنع أهل الجاهلية، كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السّباء والفاقة ويغذو كلبه.