ولا إلى معالجة، ونواه علف لرواحلهم، ويتخذ منه شراب لذيذ إذا نبذ فى الماء زمنا قليلا- إلى ما فى خوصه وليفه من الفوائد والمنافع.
وبهذه الفوائد يفضل الكرم الذي هو أقرب الشجر منه تفكها وتغذية وشربا وأشبهه به شكلا ولونا فى عنبه وزبيبه ومنافعه.
والزرع وهو النبات الذي يكون بحرث الناس، يشمل كل ما يزرع لكنه خص بما يأتى منه القوت كالقمح والشعير وقد ذكرت هذه الأنواع على طريق الترقي من الأدنى فى التغذية واقتيات الناس إلى الأعلى والأعم، فإن الحبوب هى التي عليها المعول فى الاقتيات.
(وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أي وأنشأ الزيتون والرمان متشابها فى المنظر، وغير متشابه فى الطعم.
(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) أي كلوا من ثمر ذلك الذي ذكر إذا أثمر وإن لم يدرك ويينع.
وخلاصة ما سلف- أنه سبحانه بعد أن أعلم عباده بأنه هو الذي أنشأ لهم ما فى الأرض من الشجر والنبات الذي يستعملون منه أقواتهم- أعلمهم بأنه أباح ذلك كله لهم، فليس لأحد غيره أن يحرم شيئا منه عليهم، لأن التحريم حق لله الخالق للعباد والأقوات جميعا، فمن ادعاه لنفسه فقد جعل نفسه شريكا له تعالى، كما أن من أذعن لتحريم غير الله فقد أشركه معه سبحانه وتعالى.
والتحريم الذي لا يكون إلا لله هو تحريم التشريع، أما المنع من بعض هذا الثمر لسبب غير ذلك فلا شرك فيه، فإذا منع الطيب بعض المرضى من أكل الثمر أو الخبز لأنه يضره يكون منعا شرعيا أو تحريما لا على معنى أن الطبيب هو الذي شرع ذلك، بل الله هو الذي حرم كل ضارّ والطبيب هو الذي عرّف المريض ضرره.
وكذلك منع السلطان من صيد بعض الطيور لمصلحة عامة كالحاجة إلى كثرته لحفظ بعض الزرع، لأنه يأكل الحشرات المهلكة مثلا لا يكون تحريما ذاتيا بل تحريما