ثانيها فى الوصايا، وأكده بما أكده به فى سورة الإسراء، كما قرن شكرهما بشكره فى سورة لقمان فى قوله:«أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» وما
رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أىّ العمل أفضل؟ قال:
الصلاة لوقتها قلت ثم أىّ؟ قال: بر الوالدين. قلت ثم أىّ؟ قال: الجهاد فى سبيل الله» .
والمراد ببرهما احترامهما احترام المحبة والكرامة، لا احترام الخوف والرهبة، لأن فى ذلك مفسدة كبيرة فى تربية الأولاد فى الصغر، وإلجاء لهم إلى العقوق فى الكبر، وإلى ظلم الأولاد لهم كما ظلمهم آباؤهم، وليس لهما أن يتحكما فى شئونهم الخاصة بهم، ولا سيما تزويجهم بمن يكرهون، أو منعهم من الهجرة لطلب العلم النافع أو لكسب المال والجاه إلى نحو ذلك:
(٣)(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي ومما وصاكم به ربكم ألا تقتلوا أولادكم الصغار لفقر يحل بكم، فإن الله يرزقكم وإياهم أي يرزقهم تبعا لكم، وجاء فى سورة الإسراء:«وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» وسر اختلاف الأسلوبين وتقديم رزق الأولاد هناك على رزق الوالدين على عكس ما هنا- أن ما هناك متعلق بالفقر المتوقع فى المستقبل الذي يكون فيه الأولاد كبارا كاسبين، وقد يصير الوالدون فى حاجة إليهم لعجزهم عن الكسب بالكبر، ففرّق فى تعليل النهى فى الآيتين بين الفقر الواقع والفقر المتوقع فقدم فى كل منهما ضمان رزق الكاسب، للإيماء إلى أنه تعالى جعل كسب العباد سببا للرزق، لا كما يتوهم بعضهم فيزهد فى العمل بشبهة كفالته تعالى لرزقهم.
(٤)(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي ولا تقربوا ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال كالزنا وقذف المحصنات سواء منه ما فعل علنا وما فعل سرا.