والقاعدة الشرعية: أن التكليف إنما يكون بما فى وسع المكلف بلا حرج ولا مشقة عليه، ولو اتبع المسلمون هذه الوصية وعملوا بها لاستقامت أمور معاملاتهم وعظمت الثقة والأمانة بينهم، ولكن وا أسفا فسدت أمورهم وقلّت ثقتهم بأنفسهم، ووثقوا بغيرهم لاتباعهم هذه الوصية وأمثالها.
وقد قص علينا الكتاب الكريم قصص من طفّفوا الكيل والميزان فأخذهم ربهم أخذ عزيز مقتدر بما كان من ظلمهم، كقوم شعيب وقد حكى الله عنهم ما قال لهم نبيهم شعيب: «وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان: «إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم» .
(٨) (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى)
أي وعليكم أن تعدلوا فى القول إذا قلتم قولا فى شهادة أو حكم على أحد، ولو كان المقول له أو عليه ذا قرابة منكم، إذ بالعدل تصلح شئون الأمم والأفراد، فهو ركن ركين فى العمران، وأساس فى الأمور الاجتماعية، فلا يحل لمؤمن أن يحابى فيه أحدا لقرابة ولا غيرها، فالعدل كما يكون فى الأفعال كالوزن والكيل يكون فى الأقوال.
ونحو الآية قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ» وقوله:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ» .
(٩) (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا)
أي وأوفوا بعهد الله، وهذا شامل لما يأتى:
(ا) ما عهده الله تعالى إلى الناس على ألسنة الرسل.
(ب) ما آتاهم من العقل والوجدان والفطر السليمة كما قال: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ» وقال: «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ» .
(ج) ما عاهده الناس عليه كما قال: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ» وقال:
«أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ» .