عما نهى عنه، وبيّن لنا خطأ ما نحن فيه- لكنا أهدى منهم، لأنا أذكى منهم أفئدة وأمضى عزيمة، وقد حكى الله عنهم مثل هذا فى قوله:«وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ» أي من إحدى الأمم المجاورة من أهل الكتاب.
فرد الله عليهم بجواب قاطع لكل تعلّة دافع لكل اعتذار فقال:
(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) البينة فى اللغة ما بيّن الحق، أي فقد جاءكم كتاب مبين للحق بالحجج والبراهين فى العقائد والفضائل والآداب وأمهات الأحكام بما به تصلح أمور البشر وشئون الاجتماع، وهو هاد لمن تدبره وتلاه حق تلاوته إذ يجذب ببلاغته وبيانه قلوب الناظرين فيه إلى الحق الذي فصله أتمّ تفصيل، وإلى عمل الخير والصلاح الذي بين فوائده ومنافعه، وهو رحمة عامة لمن يستضيئون بنوره، وتنفذ فيهم شريعته، إذ هم يكونون فى ظلها آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، أحرارا فى عقائدهم وعباداتهم، يعيشون فى بيئة خالية من الفواحش والمنكرات.
وبعد أن بين عظيم قدر هذا الكتاب بين سوء عاقبة من كذب به فقال:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها) صدف، أعرض: أي وإذا كانت هذه الآيات مشتملة على الهداية الكاملة، والرحمة الشاملة، فلا أظلم ممن كذب بها وأعرض عنها، أو لم يكتف بذلك، بل صرف الناس عنها كما كان يفعل كبراء مجرمى قريش بمكة، فقد كانوا يصدفون العرب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحولون بينه وبينهم، لئلا يسمعوا منه القرآن فينجذبوا إلى الإيمان.
(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) أي سنجزى الذين يصدفون الناس عن آياتنا ويردّونهم عن الاهتداء بها سوء العذاب بسبب ما كانوا يجرون عليه من الصّدف عنها، إذ هم بذلك يحملون أوزارهم وأوزار من صدفوهم عن الحق، وحالوا بينهم وبين الهداية.