وأفرد الصلاة بالذكر مع دخولها فى النسك، لأن روحها وهو الدعاء وتعظيم المعبود وتوجه القلب إليه والخوف منه، مما يقع فيه الشرك ممن يغلون فى تعظيم الصالحين وما يذكر بهم كقبورهم وصورهم وتماثيلهم.
والخلاصة- إنه لا ينبغى أن تكون العبادة إلا لله رب العباد وخالقهم، فمن توجه إليه وإلى غيره من عباده المكرمين أو إلى غيرهم مما يستعظم من خلقه كان مشركا، فالله لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
(لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي لا شريك له فى ربوبيته فيستحق أن يشركه فى العبادة ويتوجه إليه معه للتأثير فى عبادته، وبذلك أمرنى ربى، وأنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال ما أمره به، وترك ما نهى عنه.
وفى هذا بيان إجمالي لتوحيد الألوهية بالعمل بعد بيان أصل التوحيد فى العقيدة، ثم انتقل إلى برهانه الأعلى، وهو توحيد الربوبية بما أمره به فقال:
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) أي أغير الله الذي خلق الخلق ورباهم- أطلب ربا آخر أشركه فى عبادتى له بدعائه والتوجه إليه، لينفعنى أو يمنع الضر عنى أو ليقربنى إليه زلفى، وهو تعالى رب كل شىء مما عبد ومما لم يعبد- فهو الذي خلق الملائكة والمسيح والشمس والقمر والكواكب والأصنام كما قال:
«وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» .
وإذا كان الله هو الخالق والمدبر فكيف أسفّه نفسى وأكفر بربي بجعل المخلوق المربوب مثلى ربّا لى، وجميع المشركين يعترفون بأن معبوداتهم مخلوقة لله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين.
(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تكسب كل نفس إثما إلا كان عليها جزاؤه دون غيرها، ولا تحمل نفس فوق حملها حمل نفس أخرى، بل تحمل كل نفس حملها فحسب كما قال:«لَها ما كَسَبَتْ، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» أي دون ما كسب أو اكتسب غيرها.