والعرش والكرسي من العالين والمقرّبين، دون ملائكة الأرض المسخرين لتدبير أمورها وإحكام نظامها.
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي وأقسم إنه ناصح لهما فيما رغبهما فيه من الأكل من الشجرة، وأكد ذلك بأشد المؤكدات وأغلظها، إذ كان عندهما محل الظّنة فى نصحه، لأن الله أخبرهما أنه عدو لهما.
(فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) أي فما زال يخدعهما بالترغيب فى الأكل من هذه الشجرة والقسم على أنه ناصح لهما حتى أسقطهما وحطهما عما كانا عليه من سلامة الفطرة وطاعة البارئ لهما بما غرهما به وزين لهما، وقد اغترا به وانخدعا بفسمه وصدّقا قوله اعتقادا منهما أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا.
ويرى بعض العلماء أن الغرور كان بتزيين الشهوة، فإن من غرائز الشر وطبائعهم كشف المجهول والرغبة فى الممنوع، فقد نفخ الشيطان فى نار هذه الشهوات الغريزية وأثار النفس إلى مخالفة النهى حتى نسى آدم عهد ربه، ولم يكن له من قوة العزم ما يكفه عن متابعة امرأته، ويعتصم به من تأثير شيطانه كما قال فى سورة طه، «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»
وجاء فى الصحيح عن أبي هريرة:«ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها»
أي لأنها هى التي زينت له الأكل من الشجرة، وقد فطرت المرأة على تزيين ما تشتهيه للرجل ولو بالخيانة له.
(فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي فلما ذاقا ثمرة الشجرة ظهرت لكل منهما سوءته وسوءة صاحبه وكانت مستورة عنهما، فدبت فيها شهوة التناسل بتأثير الأكل من الشجرة، فنبهتهما إلى ما كان خفيا عنهما من أمرها، فخجلا من ظهورها وشعرا بالحاجة إلى سترها، وشرعا يلزقان ويربطان على أبدانهما من ورق أشجار الجنة العريض ما يسترها.