ثم يذكرون الشراب ويستغيثون فيدفع إليهم الحميم والصديد بكلاليب الحديد فيقطع ما فى بطونهم ويستغيثون إلى أهل الجنة، فيقول أهل الجنة: إن الله حرمهما على الكافرين» .
وهذا طلب منهم مع علمهم باليأس من إجابته، إذ هم يعرفون دوام عقابهم وأنه لا يفتر عنهم أبدا، ولكن اليأس من الشيء قد يطلبه كما قالوا فى أمثالهم (الغريق يتعلق بالزبد) .
(قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ. الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) التحريم المنع وهو إما تحريم تكليف كتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإما تحريم قهر كتحريم الجنة وما فيها على الكافرين فى مثل هذه الآية.
والمعنى- إن أهل الجنة قالوا جوابا عن هذا الاستجداء: إن الله قد حرم ماء الجنة ورزقها على الكافرين، كما حرم عليهم دخولها، فلا سبيل لإفاضة شىء منهما عليهم وهم فى النار، إذ ليس لهم إلا ماؤها الحميم وطعامها من الضريع والزقوم.
وقد وصف أهل الجنة الكافرين بأنهم هم الذين كانوا السبب فى هذا المنع والحرمان، إذ جعلوا ديدنهم أعمالا لا تزكّى الأنفس ولا تجعلها أهلا للتشريف والكرامة، بل هى إما لهو يشغل الإنسان عن الجدّ والأعمال المفيدة، وإما لعب لا يقصد منه فائدة صحيحة فهو كأعمال الأطفال، وقد غرتهم الحياة الدنيا بشهواتها ولذاتها من الحرام والحلال، أما أهل الجنة فقد سعوا لها سعيها، وعلموا أن الدنيا مزرعة الآخرة، ومن ثم لم يكن من قصدهم من التمتع بنعم الله إلا الاستعانة بها على ما يرضيه من إقامة الحق والعدل، والاستعداد لحياة أبدية لا نهاية لها.
والخلاصة- إن الدنيا شغلتهم بزخارفها العاجلة وشهواتها الباطلة، فعزّتهم وضرتهم، وهى من شأنها أن تغرّ وتضر وتمرّ.