من التعاون والتراحم، وبما حفظ لهم من العدل والمساواة، وبما شرع لهم من الشورى المقيدة بقاعدة درء المفاسد وحفظ المصالح، وبذا امتاز به دينهم عن بقية الأديان.
انظر إلى الأمم ذوات الحضارة والمدنية ترها أصلحت كل شىء من معدن ونبات وحيوان، ولكنها عجزت عن إصلاح نفس الإنسان، ومن ثم تحوّل كل ما هدوا إليه من وسائل العمران إلى إفساد نوع الإنسان، وتعادت الشعوب وتنازعت على الملك والسلطان، وأباحت الكفر والعصيان، وبذل الثروة فى سبيل التنكيل بالخصوم والجناية على الأعداء ولو بالجناية على أنفسهم، وما الحروب القائمة فى مشارق الأرض ومغاربها بين الدول الكبرى والتي أكلت الحرث والنسل وأزهقت أرواح الملايين من الناس بين حين وآخر إلا شاهد صدق على ما نقول.
وبعد أن بين فى الآية الأولى شرط الدعاء أعاد الأمر به إيذانا بأن من لا يعرف أنه محتاج إلى رحمة ربه مفتقر إليها، ولا يدعو ربه تضرعا وخفية ولا يخاف من عقابه ولا يطمع فى غفرانه بكون أقرب إلى الإفساد منه إلى الإصلاح فقال:
(وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) الخوف توقع مكروه يحصل بعد، والطمع توقع محبوب يحصل كذلك أي ادعوه خائفين من عقابه على مخالفتكم لشرعه المصلح لأنفسكم وأجسامكم، طامعين فى رحمته وإحسانه فى دنياكم وآخرتكم.
ودعاء المولى حين الشعور بالعجز والافتقار إليه مما يقوّى الأمل بالإجابة، ويحول بينها وبين اليأس إذا تقطعت الأسباب، وجهلت وسائل النجاح.
والدعاء مخ العبادة ولبّها، وإجابته مرجوّة متى استكملت شرائطها وآدابها، فإن لم تكن بإعطاء الداعي ما طلبه فربما كانت بما يعلم الله أنه خير له منه.
ثم بين فائدة الدعاء وعلّل سبب طلبه فقال:
(إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي إن رحمته تعالى قريبة من المحسنين أعمالهم، لأن الجزاء من جنس العمل كما قال «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» .