قد جرت سنة الله أن يكون الفقراء المستضعفون أسرع الناس إلى إجابة دعوة الأنبياء والرسل، وإلى كل دعوة لإصلاح، فإنه لا يثقل عليهم أن يكونوا تابعين لغيرهم، وأن يكفر بها أكابر القوم وأغنياؤهم المترفون، إذ يشق عليهم أن يكونوا مرءوسين لسواهم، كما يصعب عليهم الامتناع عن الإسراف فى الشهوات، والوقوف عند حدود الاعتدال.
وعلى هذا السنن سار الملأ من قوم صالح إذ قالوا للمؤمنين منهم: أتعلمون أن صالحا رسول من عند الله؟ ومرادهم بهذا التهكم والاستهزاء بهم.
(قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي إنا بما أرسل به صالح من الحق والهدى مصدّقون ومقرون بأنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح.
وفى جوابهم هذا دون أن يقولوا- نعم، أو نعلم أنه مرسل منه، أو إنا برسالته عالمون- إيماء إلى أنهم علموا بذلك علما يقينيا إذ عانيا له السلطان على عقولهم وقلوبهم وما كل من يعلم شيئا يصل علمه إلى هذه المرتبة، بل من الناس من يعلم الشيء بالبرهان لكنه يجحده ويحاربه وهو موقن به حسدا لأهله، أو استكبارا عنه كما قال تعالى:
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي قال الذين استكبروا عن أمر الله وأمر رسوله صالح: إنا بالذي صدقتم به من نبوة صالح وإن الذي جاء به هو الحق- جاحدون منكرون لا نصدق به ولا نقر.
وإنما لم يقولوا إنا بالذي أرسل به صالح كافرون- لأن ذلك يتضمن إثبات الرسالة فلو قالوه لكان شهادة منهم على أنفسهم بجحود الحق على علمهم به استكبارا وعنادا.
ثم ذكر ما فعلوه مما يدل على كفرهم بآيات ربهم فقال:
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) أي فعقر أولئك المستكبرون الناقة، ونسب الفعل إليهم جميعا والفاعل واحد منهم كما جاء فى سورة القمر:«فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ»