وفى قوله: من دون النساء، إيماء إلى أنهم تجاوزوا النساء اللاتي هن محل الاشتهاء عند ذوى الفطر السليمة إلى غيرهن.
(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي إنكم لا تأتون هذه الفاحشة ثم تندمون على ما فعلتم، بل أنتم قوم مسرفون فيها وفى سائر أعمالكم ولا تقفون فيها عند حد الاعتدال، وقد جاء فى سورة النمل:«بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» أي أنتم ذوو سفه وطيش، وفى سورة العنكبوت «أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» .
وفى كل هذا دليل على أنهم كانوا مسرفين فى لذاتهم، متعدين حدود العقل والفطرة، لا يعقلون ضرر ما يفعلون بجنايتهم على النسل والصحة والآداب العامة، فهم لو عقلوا ذلك لاجتنبوها، ولو كان لديهم شىء من الفضيلة لا نصرفوا عنها.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي وما كان جواب قومه عن هذا الإنكار وتلك النصيحة شيئا من الحجج المقنعة أو الأعذار المسكنة لثورة الغضب، بل كان جوابهم الأمر بإخراجه هو ومن آمن معه من قريتهم، وما حجتهم على تبرير ما عزموا عليه إلا أن قالوا إن هولاء أناس يتطهرون ويتنزهون عن مشاركتهم فى فسوقهم ورجسهم، فلا سبيل إلى معاشرتهم ولا مساكنتهم، لما بينهم من الفوارق فى الصفات والأخلاق.
وهذا الجواب منهم يدل على منتهى السخرية والتهكم، والافتخار بما كانوا فيه من القذارة، كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظوهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد.
وقد بلغ من قحتهم وفجورهم أن يفعلوا الفاحشة ويفخروا بها ويحتقروا من يتنزه عنها، وهذا أسفل الدركات، ولا يهبط إليه إلا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) يقال غبر أي بقي، وغبر: ذهب