فى غيّهم لآخرين منهم: لئن اتبعتم شعيبا فيما يقول، وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه من توحيد الله وأقررتم بنبوته، إنكم إذا لخاسرون فى فعلكم وترككم ملتكم التي أنتم عليها مقيمون، إلى دينه الذي يدعوكم إليه.
وعمموا الخسران ليشمل خسران الشرف والمجد إذ بإيثاركم ملته على ملة آبائكم وأجدادكم تعترفون بأنهم كانوا ضالين ومعذّبين عند الله وخسران الثروة والربح بما تحترفونه من تطفيف الكيل والميزان وبخس الغرباء أشياءهم لابتزاز أموالهم.
ووصف الملأ- أولا بالاستكبار- لأنه هو الذي جرأهم على تهديده وإنذاره بالإخراج من القرية وإشعاره بأنهم أرباب السلطان فيها، وثانيا: بالكفر لأنه هو الحامل على الإغواء وصدهم عن الإيمان والأخذ بما جاء به، ثم عللوا لهم صدهم بأن فى ذلك لهم مصلحة أيّما مصلحة وفائدة أيّما فائدة.
والخلاصة- إنه تعالى وصفهم أولا بالضلال ثم وصفهم ثانيا بالإغواء والإضلال ثم ذكر عاقبة أمرهم وما أصابهم من نكال فقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي فأخذتهم الزلزلة فأصبحوا فى دارهم منكبّين على وجوههم ميتين، وقد عبر عنه هنا بالرّجفة، وفى هود بالصيحة كعذاب ثمود، وستعلم هناك وجه الجمع بينهما.
وقد بيّن سبحانه فى سورة الشعراء أن الله أرسل شعيبا إلى أصحاب الأيكة وهم إخوة مدين فى النسب، أخرج ابن عساكر عن ابن عباس فى قوله:«كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ» قال كانوا أصحاب غيضة بين ساحل البحر ومدين- وفى ذلك دليل على أن الله أرسله إلى أهل مدين وإلى من اتصل بهم إلى ساحل البحر، وأن حال الفريقين فى الكفر والمعاصي كانت واحدة، وكان ينذرهم متنقلا بينهم.
وكان عذاب مدين بالصيحة والرّجفة المصاحبة لها، وعذاب أصحاب الأيكة بالسّموم والحر الشديد وقد انتهى ذلك بظلة من السحاب فزعوا إليها ينبردون بظلها فأطبقت عليهم فاختنقوا بها أجمعون.