فالمؤمن قد يشغله هناء العيش عن حاجته إلى ربه، لكن الشدائد تذكره به، والكافر بالنعم قد يعرف قيمتها له بفقدها، وتنبهه الشدائد والأهوال إلى وجود الرّب الخالق المدبر لأمور الخلق وتذكره الأهوال بمصدر هذا النظام فى الكون.
(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أي ثم أعطينا بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة، الرخاء والسعة.
(حَتَّى عَفَوْا) أي حتى كثر عددهم ونموا، إذ أن الرخاء مما يكون سببا فى كثرة النسل وبه تتم النعمة فى الدنيا على الموسرين، ومن هذه الحسنات ما حدث لقوم هود من النعم التي بطروا بها وذكرهم هود بها فى قوله:«وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً، فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وكذا ما قاله صالح لقومه: «وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»(وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي وقالوا قولا يدل على أنهم لا يعتبرون بأحداث الزمان. قالوا قدمس آباءنا من قبلنا ما يسوء وما يسر، وما نحن إلا مثلهم فيصيبنا مثل ما أصابهم، والدهر بالناس قلّب. وتلك عادة الدهر بأبنائه، فلا الضراء عقاب على ذنب يرتكب، ولا السراء جزاء على صالحات تكتسب.
وخلاصة هذا- إنهم لم يفهموا السنن التي وضعها المولى سبحانه فى أسباب السعادة والشقاء فى البشر والتي أرشد إليها قوله:«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» ومن ثم لم يتذكروا ولم يعتبروا حين ذكرهم رسولهم، بل أعرضوا ونأوا.
(فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي فكان عاقبة أمرهم أن أخذناهم بالعذاب فجأة وهم لا شعور لديهم بما سيحل بهم، إذ هم قد جهلوا سنن الله التي وضعها فى شئون