وفى هذا تشويق وتوجيه للنظر إلى ما سيقصه الله تعالى من عاقبة أمرهم، إذ نصر رسوله موسى وهو واحد من شعب مستضعف مستعبد لهم، على فرعون وملئه وهم أعظم أهل الأرض قوة وصولة بأن أبطل سحرهم وأقنع علماءهم وسحرتهم بصحة رسالته وكون آياته من عند الله، ثم نصره بإرسال أنواع العذاب على البلاد ثم بإنقاذ قومه وإغراق فرعون ومن تبعه من ملئه وجنوده. وهذه عبرة قائمة على وجه الدهر وحجة على أن الغلب ليس للقوة المادية فحسب، كما يقوله المغرورون بعظمة الأمم الظالمة فى الغرب لمن استضعفتهم من أهل الشرق.
وبعد التشويق والتنبيه المتقدم، قص الله تعالى ما كان من أولئك القوم فى مبدأ أمرهم حتى انتهوا إلى تلك العاقبة.
(وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي إن موسى صلى الله عليه وسلم بلّغ فرعون أنه رسول من رب العالمين كلهم: أي سيدهم ومالكهم ومدبر جميع أمورهم، فهو لا يقول على الله إلا الحق، إذ لا يمكن أن يبعث الله رسولا يكذب عليه وهو الذي بيده ملكوت كل شىء، فهو معصوم من الكذب والخطأ فى التبليغ.
والخلاصة- إن كلامه اشتمل على عقيدة الوحدانية، وهى أن للعالمين ربا واحدا وعلى عقيدة الرسالة المؤيدة منه تعالى بالعصمة فى التبليغ والهداية.
ثم ذكر بعد هذا أن الله أيده ببينة تدل على صدقه فى دعواه فقال:
(قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي قد جئتكم ببرهان من ربكم شاهد على صدق ما أقول.
وفى قوله: من ربكم إيماء إلى أنهم مربوبون وأن فرعون ليس ربا ولا إلها، وإلى أن البينة ليست من كسب موسى ولا مما يستقل به عليه السلام. ثم رتب على مجيئه بالبينة طلبه منه أن يرسل معه بنى إسرائيل أي يطلقهم من أسره ويعتقهم من رقه وقهره ليذهبوا معه إلى دار غير داره ويعبدوا فيها ربهم وربه.