للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أن بيّن لهم جهلهم وسفههم، بيّن لهم فساد ما طلبوه عسى أن تستعد عقولهم لفهمه واستبانة قبحه فقال:

(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي إن هؤلاء القوم الذين يعكفون على هذه الأصنام مقضىّ على ما هم فيه بالتبار بما سيظهر من التوحيد الحق فى هذه الديار، وزائل ما كانوا يعملون من عبادة غير الله ذى الجلال، فإنما بقاء الباطل فى ترك الحق له وبعده عنه.

وفى هذا بشارة منه عليه السلام بزوال الوثنية من تلك الأرض، وقد حقق الله ما قال:

(قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي قال لهم موسى: أأطلب لكم معبودا غير الله رب العالمين وخالق السموات والأرض، وقد فضلكم على العالمين بما جدد فيكم من التوحيد وهداية الدين، فماذا تبغون من عبادة غيره معه أو من دونه؟.

والخلاصة- إن موسى بدأ جوابه لقومه بإثبات جهلهم بربهم وبأنفسهم، وثنى ببيان فساد ما طلبوه وكونه عرضة للتبار والزوال لأنه باطل فى نفسه، ثم انتقل إلى بيان أن العبادة لغير الله لا تصح البتة سواء أكان المعبود أفضل المخلوقات كالملائكة والنبيين أو أخسها كالأصنام ثم أنكر عليهم أن يكون هو الوساطة فى هذا الجعل الذي دعا إليه الجهل، ليعلمهم أن طلب هذا الأمر المنكر منه عليه السلام جهل بمعنى رسالته، وأيد إنكاره لكلا الأمرين بما يعرفون من فضل الله عليهم بتفضيلهم على أهل زمانهم ممن كانوا أرقى منهم مدنية وحضارة وسعة ملك وسيادة على بعض الشعوب، وهم فرعون وقومه- برسالة موسى وهرون منهم وتجديد ملة إبراهيم فيهم وإيتائهما من الآيات ما تقدم ذكره.

ثم ذكر سبحانه منته على بنى إسرائيل فقال:

(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي واذكروا إذ أنجيناكم بإرسال موسى وبما

<<  <  ج: ص:  >  >>