(فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي فخذ ما أعطيتك من الشريعة وهى التوراة وكن من جماعة الشاكرين لنعمتى عليك وعلى قومك، بإقامتها بقوة وعزيمة والعمل بها، وأداء حقوق نعمى جميعها عليك، تنل المزيد من فضلى:«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» .
وقد تقدم أن قلنا إن الوحى إلى الرسل أنواع ثلاثة بينهما الله بقوله:«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ» .
والخلاصة- إن إثبات الكلام والتكليم لله تعالى صريح فى القرآن الكريم فى آيات عدة لا تعارض بينها، وأما الرؤية ففيها آيات متعارضة كقوله تعالى «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» وقوله «لَنْ تَرانِي» وهما أصرح فى النفي من دلالة قوله تعالى «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» على الإثبات فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير فى القرآن وكلام العرب كقوله «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ» وقوله: «ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً» وفى الأحاديث الصحيحة تصريح بإثبات الرؤية بحيث لا تحتمل تأويلا، والمرفوع منها مروى عن أكثر من عشرين صحابيا، ولم يرد فى معارضتها شىء أصرح من
حديث عائشة عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج؟ فقالت: لقد قفّ شعرى مما قلت، أىّ أنت من:«ثلاث من حدّثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، وفى رواية فقد أعظم الفرية ثم قرأت: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ- وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ» ومن حدثك أنه يعلم ما فى غد فقد كذب، ثم قرأت «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً» ومن حدثك أنه كتم شيئا من الدين فقد كذب ثم قرأت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ