وعلمائهم الذين نبذوا التوراة تجاهلا منهم بما هم به عالمون- اتبعوا السحر الذي تلته الشياطين في عهد سليمان بن داود وعملوا به، وذلك هو الخسران المبين.
وقد زعموا أن سليمان هو الذي جمع كتب السحر من الناس ودفنها تحت كرسيه ثم استخرجها الناس وتناقلوها، وهذا من مفتريات أهل الأهواء نسبوها إليه كذبا وبهتانا.
(وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) أي وما سحر، لأنه لو فعل ذلك فقد كفر، إذ كونه نبيّا ينافى كونه ساحرا، فالسحر خداع وتمويه، والأنبياء مبرءون من ذلك.
(وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) أي ولكن الشياطين من الإنس والجن الذين نسبوا إليه ما انتحلوه من السحر ودوّنوه وعلموه الناس هم الذين كفروا.
(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) قد جاء ذكر السحر في القرآن في مواضع كثيرة ولا سيما فى قصص موسى وفرعون، ووصفه بأنه خداع وتخييل للأعين حتى ترى ما ليس بكائن كائنا كما قال:(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) وقال في آية أخرى (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) .
والآية نص صريح على أن السحر كان يعلّم ويلقّن، والتاريخ يؤيد هذا.
والسحر إما حيلة وشعوذة، وإما صناعة وعلم خفىّ يعرفه بعض الناس ويجهله الكثير منهم، ومن ثم يسمون العمل به سحرا لخفاء سببه عليهم. وقد روى المؤرخون أن سحرة فرعون استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصىّ بصور الحيات والثعابين حتى خيّل إلى الناس أنها تسعى.
وقد اعتاد الذين اتخذوه صناعة للمعاش أن يتكلموا بأسماء غريبة وألفاظ مبهمة، اشتهر بين الناس أنها من أسماء الشياطين وملوك الجن، ليوهموهم أن الجنّ يستجيبون دعاءهم ويسخّرون لهم، وهذا هو منشأ اعتقاد العامة أن السحر عمل يستعان عليه بالشياطين وأرواح الكواكب.