(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) أي كانوا يتعلمون منهما ما وضع لأجل التفريق بين الزوجين، مما يسمى الآن (كتاب البغضة) .
والآية لا ترشد إلى حقيقة ما يتعلمونه من السحر- أمؤثر بطبعه أو بسبب خفىّ أو بخارق من خوارق العادات، أم غير مؤثّر؟ كما أنها لم تبين نوع ما يتعلمونه، أتمائم وكتابة هو، أم تلاوة رقى وعزائم، أم أساليب سعاية، أم دسائس تنفير ونكاية، أم تأثير نفسانى، أم وسواس شيطانى؟ فأى ذلك أثبته العلم كان تفصيلا لما أجمله القرآن ولا نتحكم في حمله على نوع منها، ولو علم الله الخير في بيانه لبينه، ولكنه وكل ذلك إلى بحوث الناس وارتقائهم في العلم، فهو الذي يجلّى الغامض، ويكشف الحقائق.
(وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي إن هذين لم يعطيا شيئا من القوى الغيبية فوق ما أعطى سائر الناس، بل هى أسباب ربط الله بها مسبباتها، فإذا أصيب أحد بضرر بعمل من أعمالهم، فإنما ذلك بإذنه تعالى، فهو الذي يوجد المسببات حين حصول الأسباب:
(وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) من قبل أنه سبب في إضرار الناس، وهذا مما يعاقب الله عليه، ومن عرف بإيذاء الناس أبغضوه واجتنبوه ولا نفع لهم فيه، فإنا نرى منتحلى هذه المهن من أفقر الناس وأحقرهم، وذلك حالهم في الدنيا، فما بالك بهم فى الآخرة يوم يجزى كل عامل بما عمل.
(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي إنهم عالمون بأن من اختار هذا وقدّمه على العلم بأصول الدين وأحكام الشريعة التي توصل إلى السعادة فى الدارين فليس له حظ في الآخرة، لأنه قد خالف حكم التوراة التي حظرت تعلم السحر، وجعلت عقوبة من اتبع الجنّ والشياطين والكهان، كعقوبة عابدى الأصنام والأوثان.
(وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي ولبئس ما باعوا به أنفسهم