(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) أي وفرقنا بنى إسرائيل فى الأرض وجعلنا كل فرقة منهم فى قطر من أقطارها فلا يخلو منهم قطر وليس لهم شوكة ولا دولة، وهذا من معجزات الكتاب الكريم.
(مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي منهم الصالحون كالذين نهوا من اعتدوا فى السبت عن ظلمهم، والذين كانوا يؤمنون بالأنبياء من بعد موسى، والذين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومنهم من دونهم فى الصلاح لم يبلغوا مبلغهم، ومنهم الغلاة فى الكفر والفسق كالذين كانوا يقتلون النبيين بغير حق، ومنهم السماعون للكذب الأكّالون للسحت والرشا لتبديل الأحكام والقضاء بغير ما أنزل الله كما هو شأن الأمم، فإنها تفسد تدريجا لا دفعة واحدة كما نشاهد ذلك فى المسلمين.
(وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي وامتحناهم واختبرنا استعدادهم بالنعم التي تحسن فى عيونهم وتقرّبها أفئدتهم، وبالنقم التي تسوءهم وإن كانت قد تحسن بالصبر عاقبتها لديهم، رجاء أن يرجعوا عن ذنبهم، وينيبوا إلى ربهم، فيعود إليهم فضله ورحمته.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) أي نبتت من أولئك الذين منهم الصالح والطالح نابتة ورثوا التوراة: أي وقفوا على ما فيها وكانوا عالمين بأحكامها بعد أسلافهم والحال أنهم يؤثرون حطام الدنيا ومتاعها بما يأكلونه من السحت والرشا والاتجار بالدين والمحاباة فى الحكم، ويقولون سيغفر لنا ولا يؤاخذنا بما فعلنا، فإننا أبناء الله وأحباؤه وسلائل أنبيائه وشعبه الذي اصطفاه من سائر البشر إلى نحو ذلك من الأمانى والأضاليل، وهم والغون فى خطاياهم مصرّون على ذنوبهم، فإن يأتهم عرض آخر مثل الذي أخذوه أولا بالباطل يأخذوه ولا يتعفّفوا عنه- وهم يعلمون أن الله إنما وعد بالمغفرة التائبين الذين يقلعون عن ذنبهم ندما وخوفا من ربهم ويصلحون ما كانوا قد أفسدوا.