الصلاة التي هى عماد الدين وركن منه متين كعبد الله بن سلام وأصحابه- لا نضيع أجرهم لأنهم قد أصلحوا أعمالهم، والله لا يضيع أجر المصلحين، وهى بمعنى قوله:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» .
ثم ختم سبحانه هذه القصة مذكّرا ببدء حالهم فى إنزال الكتاب عليهم عقب بيان مخالفتهم لأمور دينهم والخروج عنه فقال:
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) أي واذكر أيها الرسول إذ رفعنا جبل الطور فوقهم كما روى عن ابن عباس، أو اقتلعناه وجعلناه فوقهم كأنه غمامة وأيقنوا أنهم إن خالفوا أوامر دينهم وقع لا محالة عليهم.
ذاك أنه أخذ عليهم الميثاق ليأخذنّ الشريعة بقوة وعزم فخالفوا الميثاق فرفع فوقهم الطور وأوقع فى قلوبهم الرعب خوف وقوعه بهم، فخرّ كل واحد منهم ساجدا لربه وقبل العمل بالميثاق.
روى أن بنى إسرائيل أبوا أن يقبلوا التوراة، فرفع الجبل فوقهم وقيل لهم إن قبلتم العمل بها وإلا ليقعنّ عليكم، فوقع كل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من سقوطه، فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون هى السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة حين امتثلنا ما أمرنا به اهـ.
وفى الآية تعريض بأنهم إذا كانت حالهم فى مبدإ أمرهم بمخالفتهم لكتابه ما عرفت- فلا عجب إذا آل أمرهم إلى ترك العمل به بعد طول الأمد وقساوة القلوب والأنس بالمعاصي والذنوب.
(خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أي وقلنا لهم فى هذه الحال: خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بعزم واحتمال للمشاقّ والتكاليف.
(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي واذكروا ما فيه من الأوامر والنواهي، فإن ذلك يعدّكم للتقوى ويجعلها مرجوة لكم، فإن قوة العزيمة فى إقامة الدين تزكى