وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فيها قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها. وهذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) .
وأخرج أبو الشيخ عن على بن أبي طالب قال: لتفترقنّ هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة، يقول الله (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) فهذه هى التي تنجو من هذه الأمة اهـ.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أي والذين كذبوا بآيات الله سندعهم يسترسلون فى غيهم وضلالهم ولا يدرون شيئا من عاقبة أمرهم، لجهلهم سنن الله فى المنازعة بين الحق والباطل وأن الحق يدفع الباطل، وما ينفع الناس يتغلّب على ما يضرهم كما قال تعالى بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وقال:«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» .
وقد صدق الله وعده، فقد كان كفار قريش وصناديدها يبالغون فى عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، اغترارا بكثرتهم وثروتهم لا يعتدّون به ولا بغيره ممن آمن به أوّلا وأكثرهم من الضعفاء الفقراء، فما زالوا يتدرّجون فى عداوتهم له وقتالهم إياه حتى أظهره الله تعالى عليهم فى غزوة بدر فلم يعتبروا، ثم زادهم غرورا تغلّبهم عليه آخر معركة أحد حتى قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر- إلى أن كان الفتح الأعظم: فتح مكة فأظهر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه عليهم من حيث لا يعلمون سنته تعالى.
وأثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال لما حملت إليه كنوز كسرى: اللهم إنى أعوذ بك أن أكون مستدرجا فأنى سمعتك تقول (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) .
(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي وأمهل هؤلاء المكذبين المستدرجين فى العمر وأمدّ لهم فى أسباب المعيشة والتدرب على الحرب بمقتضى سننى فى نظام الاجتماع البشرى