أن ما صدر منهم من سوء الأدب في خطابه صلى الله عليه وسلم كفر لا شكّ فيه، لأن من يصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شرّير، فقد أنكر نبوّته وأنه موحى إليه من قبل ربه، ومتى فعل ذلك فقد كفر واستحق العذاب الأليم.
قال الأستاذ الإمام: إن هذا التأديب ليس خاصا بمن كان في عصره من المؤمنين بل يعم من جاء بعدهم أيضا، فهذا كتاب الله الذي كان يتلوه عليهم وكان يجب عليهم الاستماع له والإنصات لتدبره- هو الذي يتلى علينا بعينه لم يذهب منه شىء، وهو كلام الله الذي به كان الرسول رسولا تجب طاعته والاهتداء بهديه- فما هذا الأدب الذي يقابله به الأكثرون؟ إنهم يلغطون في مجلس القرآن فلا يستمعون ولا ينصتون ومن أنصت واستمع فإنما ينصت طربا بالصوت واستلذاذا بتوقيع نغمات القارئ، وإنهم ليقولون في استحسان ذلك واستجادته ما يقولون في مجالس الغناء، ويهتزون للتلاوة ويصوّتون بأصوات مخصوصة كما يفعلون عند سماع الغناء لا فرق، ولا يلتفتون إلى شىء من معانيه إلا ما يرونه مدعاة لسرورهم في مثل قصة يوسف عليه السلام، مع الغفلة عما فيها من العبرة وإعلاء شأن الفضيلة، ولا سيما العفة والأمانة، أليس هذا أقرب إلى الاستهانة بالقرآن منه بالأدب اللائق الذي ترشد إليه هذه الآية الكريمة وأمثالها؟ (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) اهـ.
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي إن الذين عرفتم شأنهم مع أنبيائهم من أهل الكتاب حسدة لكم لا يودون أن ينزل عليكم خير من ربكم، والكتاب الكريم أعظم الخيرات فهو الهداية العظمى، به جمع الله شملكم ووحّد شعوبكم وقبائلكم، وطهّر عقولكم من زيغ الوثنية، وأقامكم على سنن الفطرة، وكذلك المشركون إذ يرون في نزول القرآن على طريق التتابع الوقت بعد الوقت قوة للإسلام ورسوخا لقواعده، وتثبيتا لأركانه