مستقلا بقدرتي على ذلك، وإنما أملكهما بقدرة الله، فإذا أقدرنى على جلب النفع جلبته بفعل أسبابه، وإذا أقدرنى على منع الضر منعته بتسخير الأسباب كذلك.
وقد كان المسلمون ولا سيما حديثو العهد بالإسلام يظنون أن منصب الرسالة يقتضى علم الساعة وغيرها من علم الغيب، وأن الرسول يقدر على ما لا يصل إليه كسب البشر من جلب النفع ومنع الضر عن نفسه وعمن يحبّ أو عمن يشاء، أو منع النفع وإحداث الضر بمن يكره أو بمن يشاء فأمره الله أن يبين للناس أن منصب الرسالة لا يقتضى ذلك، وأن وظيفة الرسول إنما هى التعليم والإرشاد لا الخلق والإيجاد وأنه لا يعلم من الغيب إلا ما يتعلق بذلك مما علّمه الله بوحيه، وأنه فيما عدا ذلك بشر كسائر الناس:
(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) أي لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا ولا أعلم الغيب، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير كالمال ونحوه، ولما مسنى السوء الذي يمكن الاحتياط لدفعه بعلم الغيب.
قال ابن كثير: أمره الله تعالى أن يفوّض الأمر إليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب فى المستقبل ولا اطّلاع له على شىء من ذلك إلا ما أطلعه الله عليه كما قال:
«عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً» وقوله: «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ» وروى الضحاك عن ابن عباس (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أي من المال، وفى رواية «لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئا إلا ربحت فيه ولا يصيبنى الفقر» وقال ابن جرير: أي لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلاء من الرّخص. وقال عبد الله بن زيد بن أسلم (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته اهـ.