فى الحفظ من غوايته، فإذا هم أولو بصيرة يربئون بأنفسهم أن تطيعه، فهو إنما تأخذ وسوسته الغافلين عن ربهم الذين لا يراقبونه فى شئونهم وأعمالهم، ولا شىء أقوى على طرد وساوس الشيطان من ذكر الله ومراقبته فى السر والعلن، من قبل أنه يقوّى فى النفس حب الحق وداعى الخير، ويضعف فيها الميل إلى الشرور والآثام، فما مثل المؤمن المّتقى الذي لا يتمكن الشيطان من إغوائه وإن تمكن من مسه، إلا مثل الصحيح الجسم القوى المزاج النظيف البدن والثوب والمكان لا تجد النسم (الميكروبات) طريقا لإفساد مزاجه وإصابته بالأمراض، فإن مسه شىء منها بدخوله فى جمسه فتكت بها نسم الصحة فحالت دون فتكها به، وهذا ما يسميه الأطباء (المناعة) .
فقوىّ الروح بالإيمان والتقوى غير قابل لتأثير الشيطان فى نفسه، لكن الشيطان دائما يتحين الفرص وعروض بعض الأهواء النفسية من شهوة أو غضب أو داعية حسد أو انتقام، حتى إذا وجد الفرصة سانحة افترصها ولا بس النفس وقوىّ فيها داعى الشر كالحشرات القذرة التي تعرض للنظيف إذا أهملها بالغفلة عنها فعلت فعلها، وإذا تداركها نجا من شرها وضرها، وما سر هذا إلا المناعة النفسية أو الروحية.
وإن الإنسان ليشعر بتنازع دواعى الخير والشر فى نفسه، وإن لداعية الخير والحق ملكا يقوّيها، ولداعية الشر والباطل شيطانا يقويها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله «إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله على ذلك، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ:
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) أي إن إخوان الشياطين وهم الجاهلون الذين لا يتقون الله- يتمكن الشياطين من إغوائهم فيمدونهم فى غيهم وإفسادهم، لأنهم لا يذكرون الله إذا شعروا بالنزوع إلى الشر ولا يستعيذون به من تزع الشيطان ومسه، إما لأنهم لا يؤمنون بالله وإما لأنهم لا يؤمنون بأن للإنسان شيطانا