ثم وصف الله تعالى المؤمنين بخمس صفات تدل على وجوب التقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله فقال:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي إنما المؤمنون حقا المخلصون فى إيمانهم هم الذين اجتمعت فيهم خصال خمس:
(١)(الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي الذين إذا ذكروا الله بقلوبهم فزعوا لعظمته وسلطانه أو لوعده ووعيده ومحاسبته لخلقه، والآية بمعنى قوله:«وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ، الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» .
(٢)(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) أي وإذا تليت عليهم آياته المنزلة على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم زادتهم يقينا فى الإيمان، وقوة فى الاطمئنان، ونشاطا فى الأعمال إذ أن تظاهر الأدلة وتعاضد الحجج يوجب زيادة اليقين، فابراهيم صلوات الله وسلامه عليه كان مؤمنا بإحياء الله الموتى حين دعا ربه أن يريه كيف يحييها كما قال تعالى:«أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» فمقام الطمأنينة فى الإيمان يزيد على ما دونه من الإيمان المطلق قوة وكمالا. ويروى أن عليا المرتضى قال: لو كشف عنى الحجاب ما ازددت يقينا، والعلم التفصيلي فى الإيمان أقوى من العلم الإجمالى، فمن آمن بأن لله علما محيطا بالمعلومات، وحكمة قام بها نظام الأرض والسموات، ورحمة وسعت جميع المخلوقات ويعلم ذلك علما إجماليا ولو سألته أن يبين لك شواهده فى الخلق لعجز- لا يوزن إيمانه بإيمان صاحب العلم التفصيلي بسنن الله فى الكائنات فى كل نوع من أنواع المخلوقات، ولا سيما فى العصور الحديثة التي اتسعت فيها معارف البشر بهذه السنن، فعرفوا منها ما لم يكن يخطر عشر معشاره لأحد من العلماء فى القرون الخوالى.
وفى معنى الآية قوله تعالى فى وصف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم