بملابستهم لأرواحهم الطيبة ما يثبتون به قلوبهم ويزيدهم ثقة بوعد الله بنصرهم، فلما تراءت الفئتان وأوشكا أن يتلاحما فرّ الشيطان بجنوده من بين المشركين، لئلا تصل إليهم الملائكة الملابسة للمؤمنين (وهما ضدان لا يجتمعان، ولو اجتمعا لقضى أقواهما وهم الملائكة على أضعفهما وهم الشياطين) .
فخوف الشيطان إنما كان من إحراق الملائكة لجنوده لا على المشركين، كما يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق متلاش أمامه لا يبقى منه شىء.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) أي وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم حين يقول المنافقون ومن فى حكمهم من مرضى القلوب: ما حمل هؤلاء المؤمنين على الإقدام على ما أقدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم- إلا غرورهم بدينهم، ولا غرو أن تصدر هذه المقالة ممن حرم الإيمان الكامل والثقة بالله والتوكل عليه.
روى عن مجاهد أنه قال: هم فئة من قريش، قيس بن الوليد بن المغيرة والحارث ابن زمعة بن الأسود بن المطلب ويعلى بن أمية والعاص بن منبّه، خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: غرّ هؤلاء دينهم حتى أقدموا على ما أقدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم.
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي ومن يكل أمره إلى الله ويؤمن إيمان اطمئنان بأنه ناصره ومعينه، وأنه لا يعجزه شىء ولا يمتنع عليه شىء أراده- يكفه ما يهمه وينصره على أعدائه وإن كثر عددهم وعظم استعدادهم، لأنه العزيز الغالب على أمره، الحكيم الذي يضع كل أمر فى موضعه بمقتضى سننه فى نظام العالم، ومن ذلك أن ينصر الحق على الباطل.