فينزعون أرواحهم من أجسادهم ضار بين وجوههم وأقفيتهم، قائلين لهم: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (وهذا الضرب والكلام من عالم الغيب، فلا يقتضى أن يراه الذين يحضرون وفاتهم، ولا أن يسمعوا كلامهم حين يقولون ذلك لهم) لو رأيت ذلك لرأيت أمرا عظيما هائلا يردّ الكافر عن كفره، والظالم عن ظلمه إذا هو علم عاقبة أمره.
وقد روى أن ضرب الوجوه والأدبار كان ببدر، كان المؤمنون يضربون من أقبل من المشركين من وجوههم والملائكة يضربونهم من أدبارهم.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أي هذا العذاب الذي ذقتموه بسبب ما كسبت أيديكم من سىء الأعمال فى حياتكم الدنيا من كفر وظلم، وهذا يشمل القول والعمل.
ونسب ذلك إلى الأيدى وإن كان قد يقع من الأيدى والأرجل وسائر الحواس أو بتدبير العقل، من أجل أن العادة قد جرت بأن أكثر الأعمال البدنية تزاول بها.
(وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي وبأن الله لا يظلم أحدا من عبيده، فلا يعذب أحدا منهم إلا بجرم اجترمه، ولا يعاقبه إلا بمعصيته إياه وقد وقع ذلك منكم، فأنتم الظالمون لأنفسكم فلوموها، ولا لوم إلا عليها.
روى مسلم عن أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله يقول يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» .
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ) أي فعل هؤلاء المشركين من قريش الذين قتلوا ببدر كعادة قوم فرعون وفعلهم وفعل من قبلهم من الأمم الخالية، كفروا بآيات ربهم فأخذهم بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر ولم يظلم أحدا منهم مثقال ذرة، ونصر رسله والمؤمنين.