وبعد أن بين سبحانه أنهم قد تكرر منهم نقض العهد- أردف ذلك ذكر ما يجب أن يعاملوا به فقال:
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي إنك إن تدرك هؤلاء الناقضين لعهدهم وتظفر بهم فى الحرب- فنكّل بهم أشد التنكيل حتى يكون ذلك سببا لشرود من وراءهم من الأعداء وتفرقهم، فيكون مثلهم مثل الإبل الشاردة النادّة عن أمكنتها.
وإنما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإثخان فى هؤلاء الأعداء الذين تكررت مسالمته لهم وتجديده لعهدهم بعد نقضه، لئلا ينخدع مرة أخرى بكذبهم، لما جبل عليه من الرحمة وحب السلم واعتبار الحرب ضرورة تترك إذا زال سببها كما قال تعالى:
«وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها» وهم قد أوهموه المرة بعد المرة أنهم يرغبون فى السلم واعتذروا عن نقضهم العهد وكانوا فى ذلك مخادعين.
(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي لعل من خلفهم من الأعداء يذكّرون النكال فيمنعهم ذلك من نقض العهد ومن القتال.
روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فى بعض أيامه التي لقى فيها العدو فقال:«أيها الناس لا تمنّوا لقاء العدوّ وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف- ثم قال: اللهم منزّل الكتاب، ومجرى السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» .
وفى ذلك إيماء إلى شيئين:
(١) إن الحرب ليست محبوبة عند الله ولا عند رسوله، وإنما هى ضرورة يراد بها منع البغي والعدوان وإعلاء كلمة الحق ودحض الباطل:«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» .
(٢) إن استعمال القسوة مع الناقضين للعهد والبادئين بالحرب والتنكيل بهم لتشريد من ورائهم- أمر لا بد منه للعظة والاعتبار حتى لا يعودوا إلى مثلها هم ولا غيرهم.