للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكيد والخداع ليفترصوا الفرص كانتظار الغرّة التي تمكنهم من أهل الحق، أو الاستعداد للحرب، فالله يكفيك أمرهم وينصرك عليهم.

(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) أي إن من آثار عنايته بك أن أيدك بتسخير المؤمنين لك، وجعلهم أمة متحدة متآلفة متعاونة على نصرك، وأن سخر لك ماوراء الأسباب من خوارق العادات كالملائكة التي ثبتت القلوب يوم بدر.

(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي إنه تعالى جمعهم على الإيمان بك، وبذل النفس والمال فى مناصرتك، بعد التفرق والتعادي الذي كان أثر حروب طويلة وضغائن موروثة كما كان بين الأوس والخزرج من الأنصار.

ونحو الآية قوله فى سورة آل عمران: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» .

وقد كاد يقع شىء من التباغض بين المهاجرين والأنصار حين قسمة الغنائم فى حنين فكفاهم الله شر ذلك بفضله وحكمة رسوله.

وفى الآية إيماء إلى أن النصر ينال بالأسباب التي من أهمها التآلف والاتحاد بفضل مقدّر الأسباب ورحمته بالعباد ومن جرّاء ذلك قال:

(لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي إنه لولا نعمة الله عليهم بأخوّة الإيمان التي هى أقوى من أخوّة الأنساب والأوطان- لما أمكنك أن تؤلف بين قلوبهم بالمنافع الدنيوية، فالضغائن الموروثة والدماء المسفوكة فى الأنصار لا تزول بالأعراض الزائلة، وإنما تزول بصادق الإيمان الذي هو وسيلة السعادة فى الدنيا والآخرة كما أن التآلف بين أغنياء المهاجرين وفقرائهم، وأشرافهم وعامتهم، على ما كان بينهم من فوارق فى الجاهلية، وجمع كلمة البيوت والعشائر مع رسوخ العداوات والإحن، لم يكن مما ينال بالمال والآمال فى المغانم ونحوها، على أن شيئا من ذلك لم يكن فى يد الرسول أول الإسلام وإن كان قد صار فى يده شىء كثير منه فى المدينة بنصر الله له فى قتال المشركين واليهود جميعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>