ويدخل فى الإخلال مظاهرة أحد من الأعداء على المسلمين، لأن المقصد من المعاهدات ترك قتال كل من الفريقين المتعاهدين للآخر وحرية التعامل بينهما.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين يتقون نقض العهد وخفر الذمم وسائر المفاسد التي تخل بالنظام وتمنع جريان العدل بين الناس وفى ذلك إيماء إلى أن مراعاة حقوق العهد تدخل فى حدود التقوى، وإلى أن التسوية بين الوفىّ والغادر منافية لذلك وإن كان المعاهد مشركا.
وقد ورد فى تنفيذ أمر الله بهذه البراءة والأذان بها: أي التبليغ العلنى أحاديث
فى الصحاح أشهرها «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أبا بكر رضى الله عنه أميرا على الحج سنة تسع وأمره أن يبلغ المشركين الذين يحضرون الحج أنهم يمنعون منه بعد ذلك العام، ثم أردفه بعلىّ كرم الله وجهه ليبلغهم عنه نبذ عهودهم المطلقة وإعطاءهم مهلة أربعة أشهر لينظروا فى أمرهم، وأن العهود المؤقتة أجلها نهاية وقتها، ويتلو عليهم الآيات المتضمنة لنبذ العهود وما يتعلق بها من أول سورة براءة، وهى نحو أربعين آية.
وقد كان من عادة العرب أن العهود ونبذها إنما تكون من عاقدها أو أحد عصبته القريبة، وأن عليّا اختص بذلك مع بقاء إمارة الحج لأبى بكر، وكان يساعده على ذلك بعض الصحابة كأبى هريرة.
روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة قال: بعثني أبو بكر فى تلك الحجة فى مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلى بن أبى طالب وأمره أن يؤذن ببراءة، وألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.