ويعلم منه حقيقة ما تدعو إليه، أو ليلقاك وإن لم يذكر سببا- فأجره وأمّنه على نفسه وأمواله لكى يسمع أو لكى يراك، فإن هذه فرصة للتبليغ والاستماع، فإن اهتدى وآمن عن علم واقتناع فذاك، وإلا فالواجب أن تبلغه المكان الذي يأمن به على نفسه ويكون حرا فى عقيدته، حيث لا يكون للمسلمين سلطان عليه، وتعود حال الحرب إلى ما كانت عليه من غير غدر.
والمراد بالسماع أن يسمع المقدار الذي تقوم به الحجة ويتبين به بطلان الشرك وحقيقة التوحيد والبعث وصدق الرسول فى تبليغه عن الله، فإنه إذا ألقى إليه السمع لا يلبث أن يظهر له الحق إذا لم تصده العصبيّة والعدوان للداعى، فإن لم يفعل ذلك كان له شأنه وكانت له حريته، ولكنه يمنع من مساكنة المسلمين فى دار الإسلام وهو على هذه الحال.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) أي إن ما ذكر من إجارة المستجير من المشركين إلى أن يسمع كلام الله من جراء أنهم قوم جاهلون لا يدرون ما الكتاب وما الإيمان، وما أعرضوا إلا عن جهل وعصبية واغترار بالقوة وإصرار على الجفوة. فإذا هم شعروا بضعفهم وصدق وعد الله بنصر المؤمنين عليهم، وأعدّهم ذلك للعلم بما كانوا يجهلون، وطلبوا الأمان لهذا السبب أو لغرض آخر يترتب عليه إمكان تبليغهم الدعوة وإسماعهم كلام الله- أجيبوا إلى ذلك لأن هذه الطريق المثلى لتعليمهم وهدايتهم، والرسول صلوات الله عليه إنما أرسل مبشرا ونذيرا.
وفى الآية إيماء إلى أن التقليد فى الدين غير كاف، وأنه لا بد من النظر والاستدلال، لأنه لو كان كافيا لوجب ألا يهمل الكافر، بل يقال له: إما أن تؤمن وإما أن نقتلك، فأمهلناه ليحصل له النظر والاستدلال فإن ظهر على المشرك علامات القبول للحق ببحثه عن الدليل والتفكير فيه أمهل وترك، وإن ظهر أنه معرض عن الحق لم يلتفت إليه ووجب تبليغه إلى مأمنه.