من هذا النص يعلم أن كلا من اليهود والنصارى نسى حظا مما ذكرهم به نبيهم، ولم يعملوا بالبعض الآخر، فأكثر عباداتهم من وضع أحبارهم.
ولقب- أهل الكتاب- والذين أوتوا الكتاب- وإن كان عاما- خص به اليهود والنصارى، لأنهم هم الذين كانوا مخالطين ومجاورين للأمة العربية ومعروفين لديها كما قال تعالى مخاطبا مشركى العرب «أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ» .
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) أي قاتلوا من ذكروا حين وجود ما يقتضى القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد منكم وسلامتكم كما فعل بكم الروم وكان ذلك سببا لغزوة تبوك- إلى أن تأمنوا عدوانهم بإعطائكم الجزية بشرط أن تكون صادرة عن يد أي من قدرة واسعة فلا يظلموا ولا يرهقوا، وأن يخضعوا لسيادتكم وحكمكم، وبذا يسهل السبيل لاهتدائهم إلى الإسلام بما يشاهدون من عدلكم وفضائلكم التي يرونها رأى العين.
فإن أسلموا عمّ الهدى والعدل، وإن لم يسلموا وأعطوا الجزية وجب تأمينهم وحمايتهم والدفاع عنهم وإعطاؤهم حريتهم فى دينهم ومعاملتهم بالعدل والمساواة كالمسلمين «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» .
ويحرم ظلمهم وإرهاقهم بتكليفهم ما لا يطيقون، ويسمّون حينئذ أهل الذمة، إذ كل هذه الحقوق تكون لهم بمقتضى ذمة الله وذمة رسوله.