(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي ما ذكر من عدة الشهور وتقسيمها إلى حرم وغيرها وعدد الحرم منها- هو الحق الذي يدان الله تعالى به دون النسيء.
وقد يكون المعنى- ذلك هو الشرع الصحيح الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل فى الحج وغيره، وما يتعلق بالأشهر من الأحكام، وقد تمسكت العرب به وراثة منهما حتى إن الرجل يلقى فيها قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له بسوء على شدتهم فى أخذ الثأر وضراوتهم بسفك الدماء.
(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي فلا تظلموا فى الأشهر الحرم أنفسكم باستحلال حرامها، فإن الله عظّمها وعظم حرمتها.
وقد خصّ بعض الأزمنة وبعض الأمكنة بأحكام من العبادات تقتضى ترك المحرمات فيها تنشيطا للنفوس على زيادة العناية بما يزكّيها ويطهرها، فقد جرت عادة الإنسان أن يسأم الاستمرار على حال واحدة تشق عليه، ومن ثم جعل الله العبادات الدائمة خفيفة لا مشقة فى أدائها كالصلوات الخمس، وخصّ يوم الجمعة بوجوب الاجتماع العام لصلاة ركعتين وسماع خطبتين تذكيرا وموعظة حسنة تقوّى فى المؤمن حب الخير والتعاون على البر والتقوى، وخص رمضان بوجوب صيامه فى كل سنة، وخص أياما معدودات من ذى الحجة بأداء مناسك الحج، وجعل ما قبلها وما بعدها من الأيام الحرم استعدادا للسفر لأداء النسك، وحرم مكة وما حولها فى جميع السنة لتأمين الحج والعمرة التي تؤدّى فى كل وقت، وحرم رجب فى وسط السنة لتقليل شرور القتال وتخفيف أوزاره ولتسهيل السفر لأداء العمرة فيه.
(وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) أي قاتلوهم جميعا وكونوا يدا واحدة على دفع عدوانهم وكفّ أذاهم كما يقاتلونكم كذلك، ذاك أنهم إنما يقاتلونكم لدينكم وإطفاء نوره لا للانتقام ولا للعصبية ولا لكسب المال كما هو دأبهم فى قتال قويّهم لضعيفهم، فأنتم حينئذ أجدر وأولى بالاتحاد لدفع العدوان وجعل كلمة الله هى العليا، وكلمة الشيطان هى السفلى، والله عزيز حكيم.