(وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) أي ولا تضروا الله شيئا من الضرر فى تثاقلكم عن طاعته ونصرة دينه، فهو الغنى عنكم فى كل أمر، وهو القاهر فوق عباده، وكل من فى السموات والأرض مسخر بأمره، ولكن قد جعل للبشر شيئا من الاختيار ليكون حجة عليهم فيما سيلقون من الجزاء على أعمالهم.
(وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي والله قادر على كل شىء، فهو يقدر على إهلاككم والإتيان بغيركم (إن أصررتم على عصيان رسوله وتثاقلتم عن الدفاع عن حوزة دينه) ممن يجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ولا يخشون فى الحق لومة اللائمين كما قال:
«وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ» .
ثم رغبهم ثانية فى الجهاد فأبان لهم أنه تعالى المتوكل بنصره- على أعداء دينه- أعانوه أو لم يعينوه وهو قد فعل ذلك به وهو فى قلة من العدد والعدو فى كثرة، فكيف وهو من العدد فى كثرة والعدو فى قلة فقال:
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) أي إن لم تنصروا الرسول الذي استنصركم فى سبيل الله على من أرادوا قتاله من أعداء الله وأعداء رسوله- فسينصره الله بقدرته وتأييده، كما نصره حين أجمع المشركون على الفتك به واضطروه إلى الخروج والهجرة حال كونه أحد اثنين وثانيهما أبو بكر فى غار جبل ثور حين كان يقول لصاحبه إذ رأى منه أمارة الحزن: لا تخف ولا تحزن إن الله معنا بنصره ومعونته وحفظه وتأييده فلن يعلم بنا المشركون ولن يصلوا إلينا.
روى البخاري ومسلم من حديث أنس قال:«حدثنى أبو بكر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فى الغار فرأيت آثار المشركين، فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما»