النفقات التي أمر الله بها وحث فى شرعه عليها حال الطوع تقية وحفظا للنفس، وكرها وخوفا من العقوبة، فمهما أنفقتم فلن يتقبّل منكم ما دمتم فى شك مما جاء به الرسول من الدين والجزاء على الأعمال فى الآخرة، لأنكم قوم فاسقون أي خارجون من دائرة الإيمان، والله إنما يتقبل من المؤمنين.
(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) أي وما منع قبول نفقاتهم إلا كفرهم بالله وصفاته على الوجه الحق، وكفرهم برسالة رسوله وما جاء به من الهدى والبينات.
(وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) أي ولا يصلون إلا رياء وتقيّة، لا إيمانا بوجوبها، ولا قصدا إلى ثوابها واحتسابا لأجرها، ولا تكميلا لأنفسهم بما شرعه الله لأجلها، لأنهم لا يأتونها إلا وهم متثاقلون كسالى لا تنشرح لها نفوسهم ولا تنشط لها أبدانهم.
(وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) أي ولا ينفقون أموالهم فى مصالح الجهاد وغيره إلا وهم كارهون لذلك غير طيبة به أنفسهم، لأنهم يعدون هذه النفقات مغارم تضرب عليهم ينتفع بها المؤمنون وهم ليسوا منهم، فلا نفع لهم بما أنفقوا لا فى الدنيا وهو واضح ولا فى الآخرة، إذ لا يؤمنون بها.
ولما كان من أقوى أسباب إعراضهم عن آيات الله كثرة المال وطغيان الغنى بين سبحانه سوء عاقبة المال لهم فقال:
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الإعجاب بالشيء السرور به مع الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه، والخطاب لكل من سمع القول أو بلغه.
أي فلا تعجبك أيها السامع أموالهم ولا أولادهم التي هى من أكبر النعم وأجلها، ولا يجولنّ بخاطرك أنهم- وقد حرموا ثوابها فى الآخرة- صفا لهم نعيمها فى الدنيا، وإلى هذا أشار بقوله سبحانه: