ويدخل فى عموم الآية المبتدعون فى الدين، والذين يخوضون فى الداعين إلى الكتاب والسنة ويستهزئون بهم لاعتصامهم بهما.
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوته إلى تبوك، إذ نظر إلى أناس بين يديه يقولون: أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال:(احبسوا على هؤلاء الركب) فأتاهم فقال قلتم كذا وقلتم كذا. قالوا يا نبى الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيهم ما تسمعون» .
(قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ؟) أي قل لهم: إن الخوض واللعب فى صفات الله وشرعه وآياته المنزلة استهزاء بها. إذ كل ما يلعب به فهو مستخف به، وكل مستخف به فهو مستهزأ به.
وقصارى ذلك- ألم تجدوا ما تستهزئون به فى خوضكم ولعبكم إلا الله وآياته ورسوله فقصرتم ذلك عليهما، فهل ضاقت عليكم سبل القول، فلم تجدوا ما تخوضون فيه وتلعبون غير هذا، ثم بعدئذ تظنون أن معاذيركم بمثل هذا تقبل وتدلون بها بلا خوف ولا خجل.
(لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي لا تذكروا هذا العذر لدفع هذا الجرم، لأن الإقدام على الكفر لأجل اللعب لا ينبغى أن يكون، فاعتذاركم إقرار بذنبكم فهو كما يقال: عذر أقبح من الذنب.
(إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي إن نعف عن بعضكم لتوبتهم وإنابتهم إلى ربهم كمخشّ بن حمير نعذب بعضا آخر لإجرامهم وإصرارهم عليه.
وخلاصة ذلك- إن من تاب من كفره ونفاقه عفى عنه، ومن أصر عليه وأظهره عوقب به.