(هـ) إنهم يستمرون على الطاعة بترك ما نهوا عنه وفعل ما أمروا به بقدر الطاقة، وبضد ذلك المنافقون فإنهم فاسقون خارجون عن حظيرة الطاعة كما تقدم.
ثم ذكر ما يكون لهم من حسن العاقبة وعظيم الجزاء على جميل أعمالهم فقال:
(أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) أي إنه تعالى يتعدهم برحمته فى الدنيا والآخرة باستمرارهم على طاعته وطاعة رسوله، ويقابل هذا نسيانه تعالى للمنافقين ولعنه إياهم.
(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي إنه تعالى عزيز لا يمتنع عليه شىء من وعده ولا وعيده حكيم لا يضع شيئا منهما فى غير موضعه.
وبعد أن بيّن صفاته ورحمته لهم إجمالا- بين ما وعدهم به من الجزاء المفسّر لرحمته تقصيلا فقال:
(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) الجنات: البساتين الملتفة الأشجار التي تجنّ ما تحتها: أي تغطيه وتستره، وجريان الأنهار من تحت أشجارها مما يزيد جمالها، والمساكن الطيبة فى جنات عدن هى الدور والخيام التي يطيب لساكنيها المقام فيها لاحتوائها على ما يطلبون من الأثاث والرياش والزينة التي بها تتم راحة المقيم فيها وسروره، والعدن: الإقامة والاستقرار، يقال عدن فى مكان كذا إذا أقام فيه وثبت، فجنات عدن هى جنات الإقامة والخلود كقوله:«جَنَّةُ الْخُلْدِ- جَنَّةُ الْمَأْوى» وقيل إنه منزل من منازل دار النعيم كالفردوس الذي هو أوسط الجنة أو أعلاها.
روى عن أبى هريرة «إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، ومنه تفجّر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن» .