(وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أي وقالوا لإخوانهم فى النفاق إغراء لهم بالثبات على المنكر وتثبيطا لعزائم المؤمنين: لا تنفروا فى الحر، قل لهم أيها الرسول مفنّدا آراءهم ومسفّها أحلامهم: نار جهنم التي أعدها الله لمن عصاه وعصى رسوله أشد حرا من تلك الأيام فى أوائل فصل الخريف، إذ هذا الحر مما تحتمله الجسوم ولا يلبث أن يخفّ ويزول، ونار جهنم حرها شديد دائم يلفح الوجوه وينضج الجلود، فهم لو كانوا يعقلون ذلك ويعتبرون به لما خالفوا وقعدوا ولما فرحوا بقعودهم بل لحزنوا وبكوا كما فعل المؤمنون الذين أرادوا الخروج والنفقة فعجزوا.
(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي إن الأجدر بهم بحسب ما تقتضيه حالهم وتستوجبه جريمتهم أن يضحكوا قليلا ويبكوا كثيرا لو كانوا يفقهون ما فاتهم بالتخلف من أجر، وما سيحملونه فى الآخرة من وزر، وما يلاقونه فى الدنيا من خزى وضرّ، جزاء لهم على ما اجترحوا من العصيان، وارتكبوا من الإثم والبهتان، وكما يدين الفتى يدان.
ونحو الآية
قوله صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا:
يظهر النفاق، وترتفع الأمانة، وتقبض الرحمة، ويتّهم الأمين، ويؤتمن غير الأمين، أناخ بكم الشّرف الجون (الشرف بضمتين جمع أشارف وهى الناقة الكبيرة السن، والجون السود) الفتن كأمثال الليل المظلم» .
ثم بين ما يجب أن يعاملوا به فى الدنيا قبل الآخرة مما يقتضى تركهم للفرح والغبطة فى دنياهم بالتمتع بأحكام الإسلام فقال:
(فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) أي فإن ردك الله من سفرك هذا إلى طائفة من المنافقين المتخلفين، فاستأذنوك ليخرجوا معك فى غزاة أو غيرها مما تخرج لأجله، فقل لهم: لن تخرجوا معى أبدا ولن يكون لكم أبدا شرف الصحبة بالخروج معى للجهاد فى سبيل الله