رسوله من الهدى والبينات فى كتابه وما آتاه من الحكمة التي بيّن بها تلك الحد تارة بالقول وأخرى بالفعل.
وكان صحابته فى المدينة وما حولها يتلقّون عنه الكتاب حين نزوله ويشهدون سنته فى العمل به، ويرسل عمّاله إلى البلاد التي افتتحت يبلغون الناس القرآن ويحكمون به وبسنة رسوله المبيّنة له- وكل هذا لم يكن مستطاعا لأهل البوادي، ومن ثم كان الجهل فيهم أكثر لحال المعيشة البدوية.
روى أبو داود والبيهقي عن أبى هريرة مرفوعا «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من سلطانه قربا إلا ازداد من الله بعدا»
ذاك أن السلاطين قلما يرضون عمن يصارحهم القول ويؤثرهم بالنصح ولا يزداد قربا منهم إلا المراءون الذين يعينونهم على الظلم ويثنون عليهم بالباطل.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي واسع العلم بشئون عباده وأحوالهم من إيمان وكفر وإخلاص ونفاق، تامّ الحكمة فيما شرعه لهم، وفى جزائهم من نعيم مقيم، أو عذاب أليم.
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) أي ومن الأعراب ناس كانوا ينفقون أموالهم فى الجهاد رياء وتقيّة، ويعدّون ذاك من المغارم التي يجب على المرء أداؤها طوعا أو كرها لدفع المكروه عن أنفسهم أو عن قومهم ولا منفعة لهم فيها لا فى الدنيا وهو واضح، ولا فى الآخرة لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قال الضحاك: وهم بنو أسد وغطفان.
(وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) أي وينتظرون أن تحل بكم نوائب الزمان وأحداثه التي تدور بالناس وتحيط بهم، فتبدّل قوتكم ضعفا وانتصاركم هزيمة، فيستريحوا من أداء هذه المغارم لكم، إذ يستغنون عن إظهار الإسلام نفاقا، وقد كانوا يتوقعون ظهور المشركين واليهود على المؤمنين، فلما أعيتهم الحيل صاروا ينتظررن موت النبي صلى الله عليه وسلم ظنا منهم أن الإسلام يموت بموته.
(عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) هذا دعاء عليهم بنحو ما يتربصون به المؤمنين، أي عليهم