(وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا الوعد الكريم تقدم فى آيات سابقة فى هذه السورة وغيرها، ولا شك أن نعيم الجنة الخالد بين روحانى وبدنىّ فوز أيّما فوز.
والخلاصة- إن هذه الطبقات الثلاث قد استبق أفرادها الصراط، وشهد لهم ربّهم بالمغفرة والتجاوز عن كل ذنب، وما عاد يؤثّر فى كمال إيمانهم شىء، لأن نورهم يمحو كل ظلمة تطرأ على أحد منهم بإلمامه بذنب.
وبعد أن بيّن كمال إيمان تلك الطبقات الثلاث ورضاه عنهم- بين حال منافقى أهل المدينة ومن حولها فقال (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) أي إن بعض الأعراب الذين حولكم منافقون.
قال البغوي والواحدي: هم من قبائل جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار، وكانت منازلهم حول المدينة، وذلك لا يمنع أن يكون فيهم مؤمنون صادقون دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم ومدحهم
فقد روى الشيخان عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأشجع وعفار موالى الله تعالى ورسوله لا موالى لهم غيره» ،
وعنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال:«أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها أما إنى لم أقلها، لكن قالها الله تعالى» .
وكذلك من أهل المدينة نفسها ناس منافقون، من الأوس والخزرج سوى من أعلم الله رسوله بهم فى هذه السورة بما صدر منهم من أقوال وأفعال تنافى الإيمان.
هؤلاء وهؤلاء مرنوا على النفاق وحذقوه حتى بلغوا الغاية فى إتقانه، فلا يشعر أحد به، إذ هم يتقون جميع الأمارات والشبه التي تدل عليه.
(لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أي لا تعرفهم أيها الرسول الكريم بفطنتك ودقيق فراستك لحذقهم فى التقيّة وتباعدهم عن مثار الشبهات، بل نحن نعلمهم بأعيانهم، وهؤلاء أخفى نفاقا ممن قال الله فيهم: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ