قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة: هم الثلاثة الذين خلّفوا عن التوبة، وهم مرارة ابن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك فى جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والتمتع بطيب الثمار، والتفيؤ بالظلال لا شكّا ونفاقا، وكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري، كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة الأولين قبل توبة هؤلاء وأرجئت توبة هؤلاء حتى نزلت آية التوبة «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ» إلخ.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ) أي ومن المتخلفين ناس آخرون مؤخرون لحكم الله فى أمرهم، وهم أولئك النفر الذين سبق ذكرهم وكانوا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الهمّ باللحاق به ولم يتيسر لهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لا عذر لنا إلا الخطيئة ولم يعتذروا له صلى الله عليه وسلم كما فعل أبو لبابة وأصحابه من الذين ربطوا أنفسهم فى سوارى المسجد فنزل فيهم قوله تعالى.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) الآية فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مجالستهم وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهلهن إلى أن نزل قوله (لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) الآية.
(إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أي إن أمرهم دائر بين هذين: التعذيب والتوبة وقد أبهم الأمر عليهم وعلى الناس فلا يدرون ماذا ينزل بهم؟ هل تنفع توبتهم فيتوب الله عليهم كما تاب على الذين اعترفوا بذنوبهم، أو يحكم بعذابهم فى الدنيا والآخرة كما حكم على الخالفين من المنافقين؟
وحكمة إبهام الأمر إثارة الغم والحزن فى قلوبهم لتصحّ توبتهم.
وحكمة إبهامه على الرسول والمؤمنين تركهم مكالمتهم ومخالطتهم، تربية للفريقين على ما يجب أن يعامل به أمثالهم ممن يؤثرون الراحة ونعمة العيش على طاعة الله ورسوله