(إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) أي إن إبراهيم لكثير المبالغة فى خشية الله والخضوع له، صبور على الأذى والصفح عن زلّات غيره عليه.
(وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) أي وما كان من سنن الله فى خلقه ولا من رحمته وحكمته أن يصف قوما بالضلال ويجرى عليهم أحكامه بالذم والعقاب بعد إذ هداهم إلى الإيمان، وشرح صدورهم للإسلام- بقول يصدر منهم عن غير قصد أو عمل يحدث منهم باجتهاد خاطئ.
(حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) من الأقوال والأفعال بيانا واضحا بوحي صراحة أو دلالة.
(إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي إنه تعالى عليم بجميع الأشياء، ومن جملتها حاجة الناس إلى البيان، فهو يبين لهم مهمات الدين بالنص القاطع، حتى لا يضل فيه اجتهادهم بأهواء أنفسهم، ومن أجل هذا لم يؤاخذ إبراهيم فى استغفاره لأبيه قبل أن تتبين له حاله، وكذلك لا يؤاخذ النبي والذين آمنوا بما سبق لهم من الاستغفار لوالديهم وأولى القربى منهم قبل هذا التبيين لحكم الله تعالى.
ولما منعهم من الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولى قربى، وذلك يستدعى التبرؤ منهم وعدم انتظار النصرة من أحد- بين أن النصر لا يكون إلا من جهته تعالى فقال:
(إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي إنه تعالى مالك كل موجود، ومتولى أمره فى السموات والأرض، وهو الذي يهب الحياة بمحض قدرته ومشيئته ومقتضى سننه فى التكوين، ويميت من يشاء حين انقضاء أجله، وليس لكم أيها المؤمنون من يتولى أموركم، ولا من ينصركم على عدوكم غير الله تعالى، فلا تحيدوا عن هدايته فيما نهاكم عنه من الاستغفار لأولى القربى الذين هم أهل الولاية والنصرة من ذوى الأرحام، ولا فى غير ذلك من أوامره ونواهيه.