وفي هذا النهى إيماء إلى أنّ من كان منحرفا عن الجادّة لا ييأس، بل عليه أن يبادر بالرجوع إلى الله ويعتصم بحبل الدين، خيفة أن يموت وهو على غير هدى، فالمرء مهدّد في كل آن بالموت.
دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثوانى
ثم أكد أمر الوصية وزاده تقريرا، وأقام الحجة على أهل الكتاب فوجه إليهم الخطاب وقال:
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) أي أكنتم يا معشر اليهود والنصارى المكذبين محمدا الجاحدين نبوّته- شهودا حين حضر يعقوب الموت، فتدّعون أنه كان يهوديّا أو نصرانيّا، فقد روى أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب أوصى بنيه باليهودية؟
وخلاصة ذلك- أنتم لم تحضروا ذلك فلا تدّعوا عليه الأباطيل وتنسبوه إلى اليهودية أو النصرانية، فإني ما أرسلت إبراهيم وبنيه إلا بالحنيفية المسلمة، وبها وصّوا بنيهم وعهدوا إلى أولادهم من بعدهم.
(إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) أي أكنتم شهداء حين قال لبنيه: أىّ معبود تعبدون من بعدي؟ ومراده من هذا السؤال أخذ الميثاق عليهم بثباتهم على الإسلام والتوحيد، وأن يكون مقصدهم في جميع أعمالهم وجه الله ومرضاته، وإبعادهم عن عبادة الأصنام والأوثان، كما قال في دعائه:(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) .
(قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي قالوا: نعبد الإله الذي قامت الأدلة العقلية والحسية على وجوده ووجوب عبادته لا نشرك به سواه، ونحن له منقادون خاضعون معترفون له بالعبودية متوجهون إليه عند الملمّات، وقد كانوا في عصر فشت فيه عبادة الأصنام والكواكب، والحيوان وغيرها.