(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) أي ما كانوا يستطيعون إلقاء أسماعهم إلى القرآن إصغاء لدعوة الحق، لاستحواذ الباطل على أنفسهم ورين الكفر والظلم على قلوبهم، كما حكى الله عنهم بقوله:«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» وما كانوا يبصرون ما يدل على صدقه فى الأنفس وفى الآفاق.
وإجمال المعنى- إنهم لشدة انهماكهم فى الكفر واتباع الهوى والشهوات صاروا يكرهون الحق والهدى، فيثقل عليهم سماع ما يبينه من الآيات السمعية وما يثبته من الآيات البصرية، فهم قد ختم الله على سمعهم وعلى أبصارهم فلا يسمعون الحق سماع منتفع ولا يبصرون حجج الله إبصار مهتد.
(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)
أي أولئك الذين هذه صفتهم هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله، بافترائهم عليه واشتراء الضلالة بالهدى، وبطل كذبهم بادعاء أن له شركاء وشفعاء يقربونهم إليه زلفى، ثم سلك بما كانوا يدعونه من دون الله غير مسلكهم إذ سلك بهم إلى جهنم وصارت آلهتهم عدما لأنها كانت فى الدنيا أحجارا أو خشبا أو نحاسا، وذلك هو ضلالهم وبعدهم عنهم.
(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أي حقا إنهم فى الآخرة أشد الناس خسرانا، إذ هم قد اعتاضوا عن نعيم الجنان، بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم، بسموم وحميم، وظلّ من يحموم، وعن الحور العين، بطعام من غسلين، وعن قرب الرحمن، بعقوبة الملك الديان.
وبعد أن بين حال الكافرين وأعمالهم ومآلهم، بيّن حال المؤمنين وعاقبة أمرهم فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا فى الدنيا الأعمال الصالحة، فأتوا